كفل المشرع القطري للدائن حقه في استيفاء الدين من مدينه وذلك من خلال إجراءات التنفيذ التي نص عليها في الكتاب الثالث من قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم 13 لسنة 1990 وتعديلاته. وقد تضمن ذلك النص على مجموعة من الإجراءات التحفظية التي يخول القانون للدائن اتخاذها ضد مدينه، إما للخشية من أن يقوم الأخير بالتصرف بأمواله، أو من تهريبها أو خشية من هروبه خارج البلاد. فقد نظم المشرع القطري إجراءات الحجز التحفظي على أموال المدين وكذلك فقد صرح للدائن بأن يطالب بمنع مدينه من السفر مؤقتًا لحين الفصل في نزاع قائم بينهما أو نزاع سيتم عرضه على القضاء، حال الخشية من هروبه أو تهريب أمواله للخارج، بما لا يكون للدائن معه إمكانية تحصيل الدين. ونستعرض فيما يلي الشروط التي نص عليها قانون المرافعات القطري في طلب منع المدين من السفر والمحكمة المختصة بنظر التظلم من قرار القاضي بإصدار الأمر بالمنع من السفر أو رفض توقيعه في ضوء ما نصت عليه المادة 144 من قانون المرافعات المدنية والتجارية.

وننوه بداية إلى أن أمر المنع من السفر هو إجراء تحفظي يتم اتخاذه ضد المدين بالالتزام لمنعه من الفرار أو تهريب أمواله، بحيث يمكن اتخاذ هذا الإجراء من قبل الدائن سواء قبل الحصول على سند تنفيذي أو بعد صدور الحكم ومباشرة إجراءات التنفيذ. ولكن هذا الحق المقرر للدائن هو حق استثنائي، لأنه ينطوي على تقييد أحد الحريات الأساسية للمدين ألا وهي حرية التنقل التي كفلها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والذي انضمت إليه دولة قطر بموجب المرسوم رقم 40 لسنة 2018 بالموافقة على انضمام دولة قطر إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وقد كفل الدستور القطري هذه الحرية بنص المادة 36 منه1. وعليه، فقد قيد المشرع القطري هذا الحق بضمانات وشروط استوجب توافرها في المدين لمنعه من السفر. وقد تناولت هذه الشروط المادة 405 من قانون المرافعات القطري2، حيث حصر المشرع القطري هذا الحق بتوافر شرطين: الأول، وجود أسباب جدية يخشى معها فرار المدين من الخصومة. والثاني، وجود أسباب جدية يخشى معها تهريب المدين لأمواله. ويكفي توافر أحد هذين السببين للأمر بمنع سفر المدين، والمكلّف بإثبات أحد هذه الأسباب هو الدائن في طلبه المقدّم للقاضي، مرفقًا به المستندات المؤيدة لطلبه.

ومع هذا فقد كفل المشرع للمدين الحق في التظلم من أمر المنع من السفر الصادر بحقه، فنجد أن المادة 406 من قانون المرافعات قد أشارت في تحديد إجراءات إصدار هذا الأمر والتظلم منه إلى الباب التاسع من الكتاب الأول من القانون والخاص بالأوامر على عرائض. وبمطالعة نصوص المواد الواردة تحت هذا الباب نجد أن المشرع قد نص على أن يقوم الدائن باستصدار الأمر بموجب أمر على عريضة يقدم للمحكمة المختصة، كما منح الحق للدائن وللمدين للتظلم منه أمام المحكمة المختصة خلال سبعة أيام من تاريخ إعلانه بالأمر، وذلك وفق مقتضى المادة 144 من قانون المرافعات 3.

وبالنظر إلى نص المادة المذكورة، نجد بأن المشرع اكتفى بذكر لفظ المحكمة المختصة ولم يحدد أي محكمة تختص بنظر التظلم، وبالتالي، فإن المعيار في تحديد المحكمة المختصة يرجع بشكل أساسي لوجود دعوى تنفيذية من عدمه، أو في حصول الدائن على سند تنفيذي من عدمه وكذلك إلى طبيعة القرار الصادر عن قاضي التنفيذ. وبالتالي، تكون المحكمة المختصة بنظر التظلم هي المحكمة مصدرة الأمر دون غيرها.

ومع هذا يرى جانب من الفقه أن يكون لمن صدر الأمر برفض طلبه باستصدار أمر منع من السفر ولمن صدر عليه الأمر التظلم من هذا الأمر أمام المحكمة المختصة المقصود بها المحكمة المختصة بنظر النزاع الذي صدر الأمر بسببه أو بمناسبته، فإما أن تكون هذه المحكمة هي المحكمة الجزئية أو الكلية حسب الأحوال4.

وقبل الخوض في توضيح هذه المسألة لابد من الإشارة إلى أن طلب إصدار أمر المنع من السفر من الممكن أن يقدم أو يصدر في حالتين: الأولى، في حال وجود سند مديونية وعدم وجود دعوى موضوعية أو أثناء نظر الدعوى الموضوعية قبل صدور حكم وهنا قاضي الأمور وقتية هو الذي يصدر القرار. والثانية، فتكون بعد صدور حكم والحصول على الصيغة التنفيذية وفي إطار دعوى تنفيذية وهنا قاضي التنفيذ هو الذي يصدر القرار بصفته القضائية تلك. كما تجدر التفرقة بين أنواع القرارات التي تصدر عن قاضي التنفيذ، فإما أن يصدر القرار بصفته قاضي أمور وقتية وإما أن يصدره بصفته قاضي تنفيذ.

ولما كان أمر المنع من السفر هو إجراء تحفظي يمكن اتخاذه قبل صدور الحكم في الدعوى أو بعد صدوره وحصول الدائن على سند تنفيذي يقيم بموجبه دعوى تنفيذية أمام محكمة التنفيذ، فإن الدائن يحق له طلب استصدار هذا الأمر من القاضي وفقاً للحالتين التاليتين:

1- حالة عدم صدور حكم وحصول الدائن على سند تنفيذي، وفي هذه الحالة فإن قاضي الأمور الوقتية يصدر القرار، ويقام التظلم من رفض استصدار الأمر أو من توقيعه بصحيفة أمام المحكمة الابتدائية سواء الكلية أو الجزئية. علماً بأن قاضي الأمور الوقتية من الممكن أن يكون هو قاضي التنفيذ بصفته قاضيًا للأمور الوقتية.

2- حالة صدور حكم وحصول الدائن على سند تنفيذي أقام به دعوى تنفيذية، فإن قرار قاضي التنفيذ الصادر برفض طلب استصدار الأمر أو بمنع المدين من السفر يكون صادراً منه بصفته قاضي تنفيذ وليس قاضي أمور وقتية، وبالتالي يقام التظلم منه أمام محكمة التنفيذ مصدرة القرار.

وبالرجوع إلى التطبيقات القضائية لنص المادة 144 محل البحث في هذا المقال وفي ظل غياب حكم صادر من محكمة التمييز لإرساء معيار المحكمة المختصة المشار إليها في هذه المادة والذي يتم على أساسه إقامة التظلم، نجد صدور أحكام متعارضة في هذا الشأن، إذ أنه كان قد صدر عن عدالة المحكمة الابتدائية حكمين متعارضين في تظلمين مقامين أمامها بشأن قرار قاضي التنفيذ بمنع المدير المخول بالتوقيع عن الشركة المحكوم عليها من السفر، الأول في التظلم رقم 148/2022 قضى بقبول التظلم شكلاً وفصل في موضوعه بإلغاء أمر المنع من السفر، والآخر رقم 149/2022 حكم بعدم اختصاص المحكمة بنظر التظلم واختصاص قاضي التنفيذ الذي أصدر هذا الأمر بصفته قاضي تنفيذ وليس قاضي أمور وقتية، خصوصاً وأن الأمر المتظلم منه قد صدر في إطار دعوى تنفيذية منظورة أمام قاضي التنفيذ المختص. ومع هذا فقد كانت محكمة الاستئناف قد أصدرت حكماً في الاستئناف رقم 1911/2022 فصلت فيه في موضوع التظلم رقم62/2021 المقام من الصادر بحقهم أمر منع السفر من قبل قاضي التنفيذ وهم ممثلي المحكوم عليها في دعوى تنفيذية مقامة أمام قاضي التنفيذ مصدر الأمر. وقد فصلت المحكمة في هذا الاستئناف وألغت أمري المنع من السفر وفي حيثيات الحكم أكدت على اختصاص قاضي التنفيذ بالنظر في مثل هذه التظلمات، طالما صدر القرار المتظلم منه في دعوى تنفيذية تُنظر أمامه.

وخلاصة القول، إن الإشارة العامة للمحكمة المختصة في المادة 144 من قانون المرافعات القطري قد تنطوي على بعض الإبهام الذي يترتب عليه عدم وضوح الإجراء الواجب اتخاذه في إقامة التظلم لكي يكون صحيحاً من الناحية الشكلية. ومع هذا، نرى أن المعيار في تحديد المحكمة المختصة هو بالنظر إلى المحكمة مصدرة القرار مع استثناء القرارات التي تصدر من قاضي التنفيذ بصفته قاضي أمور وقتية.

Footnotes

1. نصت المادة 36 من الدستور الدائم لدولة قطر على أن: "الحرية الشخصية مكفولة. ولا يجوز القبض على إنسان أو حبسه أو تفتيشه أو تحديد إقامته أو تقييد حريته في الإقامة أو التنقل إلا وفق أحكام القانون.ولا يعرض أي إنسان للتعذيب أو للمعاملة الحاطة بالكرامة، ويعتبر التعذيب جريمة يعاقب عليها القانون."

2. المادة 405 من قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم 13 لسنة 1990 تنص على: "للدائن أن يطلب من قاضي التنفيذ أن يأمر بمنع مدينه من السفر، إذا قامت أسباب جدية يخشى منها فرار المدين من الخصومة أو تهريب أمواله.

3. المادة 144 من قانون المرافعات تنص على: " للطالب إذا صدر الأمر برفض طلبه، ولمن صدر عليه الأمر، الحق في التظلم إلى المحكمة المختصة إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك، ويرفع التظلم في خلال سبعة أيام من تاريخ صدور الأمر، ما لم يكن المتظلم هو من صدر عليه الأمر، فيرفع خلال سبعة أيام من تاريخ إعلانه به. ويجب أن يكون التظلم مسببا وإلا كان باطلا. ويكون التظلم بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى أمام المحكمة، وتحكم فيه بتأييد الأمر أو بتعديله أو بإلغائه، ويكون حكمها قابلا للطعن بطرق الطعن المعتادة."

4. انظر التعليق على قانون المرافعات دراسة مقارنة (القطري – الكويتي – المصري) المحامي يوسف أحمد الزمان – الطبعة الأولى – سبتمبر 2007 – ص396.

The content of this article is intended to provide a general guide to the subject matter. Specialist advice should be sought about your specific circumstances.