تعتبر المباني والمنشآت الثابتة من مظاهر إستقرار الأماكن بشكل عام، ويعد تشييدها من قبيل الأعمال التي تحتاج إلـى مـؤهلات علميـة وخبرات عملية و فنية، فإذا شاب أي منها خلل أو عيب، قد يهـدد ذلك بالضـرورة حياة الناس وسـلامتهم وإستقرارهم، وللأسف قد أصبح إنهيار المباني خلال عملية تشيدها أو بعد إكتمال هذا التشييد بوقـت لـيس بطويل ظاهرة تستوجب الوقوف عندها، وكثيرا ما يأتي ذلك نتيجـة للقصـور والإهمال في صناعة مواد البناء أو بسبب أخطاء فى التصميم أو التنفيذ، وأمام إرتفاع وتيرة التطور وكثرة مشروعات البناء و أهمية وقيمة ما يتم تشييده من مبـان ومنشـآت ثابتة أخرى، الأمر الذي إستوجب تشددا في مسئولية كل مشيد، فإضـافة إلـى المسـئولية العقديـة و التقصيرية للمقاول والمهندس، ظهرت المسـئولية العشـرية أو مـا يسمى بالضمان العشري كإلتزام مستقل يقع على عاتق المتدخلين في عملية التشييد.

وتعتبر المسئولية العشرية مسئولية إستثنائية ذات قواعد خاصة، فرضـت بـنص القانون من أجل توفير حماية أكبر للمتضررين إزاء تهدم أو تعيب المباني، كما تتعدد جوانب وأشكال مسئولية المهندس الإستشاري تحديدا، ومن أجل الوقوف على ذلك وتوضيحه بإيجاز نتعرض لتعريف المهندس من النواحي التشريعية، وكذلك مهامه، ثم لنطاق مسئولية المهندس الإستشاري خلال النقاط التالية:

 

اولا: مهام مهندس الموقع الإستشاري

يتمثل دور مهندس الموقع الاستشاري بتقديم خدمة احترافية للعميل ضمن 8 مهام رئيسية تتمثل بالتحقق وتقديم التقارير، وإعداد التصاميم التفصيلية والعقود، وترتيب العقود وقبول الأعمال وتشغيل الأنظمة، والعديد من الخدمات الأخرى خلال المشروع، حيث تتضمن مهام المهندس الإستشاري مجموعة من أعمال التخطيط والتصميم والإشراف على الأعمال بالتنسيق مع العملاء لأغراض إكمال المشاريع المختلفة بشكل آمن ووفق الوقت والتكلفة المناسبين وتجدر الإشارة لتلك المهام بشىء من التفصيل:

1) الإشراف على الأعمال حيث يعد الدور الأهم والرئيسي لمهندس الموقع الإستشاري القيام بعمليات الإشراف على الأعمال في الموقع، ويتضمن هذا الإشراف زيارات دورية للموقع والتأكد من مطابقة الأعمال للمخططات والمواصفات الموضوعة للمشروع، ومتابعة أنشطة وأعمال المقاولين داخل الموقع، وتنشيطهم للقيام بالأعمال بالجودة المطلوبة وخلال المدة المحددة.

2) الإتصال والتواصل مع الزملاء المهندسين من مختلف الاختصاصات والمقاولين للوصول إلى حلول عملية ومنطقية لحل المشاكل التصميمة والتنفيذية وغيرها، كما يشمل هذا الدور أيضا حضور الاجتماعات العامة والخاصة لمناقشة العديد من القضايا الخاصة بالمشروع والتأكد من أن كافة الأعمال تتم بسهولة وسلاسة.

3) تقديم الاستشارات الهندسية وتقييم المخاطر،حيث يقدم المهندس الاستشاري في الموقع عادة استشارات هندسية للعملاء الذين قد تواجههم مشاكل هندسية متعددة، وقد تكون تلك الإستشارات موجزة في بعض الأحيان بينما قد تطول أحيانا أخرى.

4) تقييم المخاطر المتعلقة بالمشروع وإدارتها بطريقة متخصصة تضمن استمرار أعمال المشروع دون مخاطر تذكر والتأكد من سلامة العاملين والمنشآت والبيئة المحيطة بالمشروع، مع تصحيح أي قصور في المشروع يؤثر على متطلبات الإنتاج أوالجودة والسلامة.

5) التأكد والتحقق حيث في العديد من الأوقات، يُطلب من المهندس الإستشاري في الموقع أن يقوم بالتحقق والتأكد من الوقائع والمعطيات وعادة ما تتطلب هذه الأمور دراسات هندسية وإجراء حسابات رياضية مختلفة وفحص للمعدات أو الهياكل الإنشائية كما قد يتطلب ذلك دراسة ومراجعة العديد من التقارير السابقة.

6) إعداد التقارير حيث يقوم مهندس الموقع الاستشاري بإعداد العديد من التقارير المختلفة منها تقارير العمل اليومي أو الأسبوعي وتقارير الإنجاز وتقارير الجدوى وغيرها من التقارير التي تعتبر وسيلة إتصال مكتوبة وموثوقة فيما  بين موقع العمل والإدارة، التي قد تكون متواجدة في مكان آخر خارج الموقع أو لربما أحيانا بمدينة أخرى.

7) إعداد التصاميم الهندسية فعادة ما يقوم مهندس الموقع بإجراء تصاميم هندسية سريعة في الموقع، ولا يقتصر التصميم الهندسي على إجراء الحسابات الهندسية في المكتب فقط، وإنما قد يشمل إعداد مخططات ورسومات هندسية سريعة وإعداد مواصفات العمل بما يتوافق مع مواصفات المشروع المطلوبة.

8) الخدمات القانونية حيث لا يقتصر دور مهندس الموقع الإستشاري على القيام بالمهام داخل موقع المشروع سواء كانت بخصوص أعمال ميدانية أو أعمال مكتبية، فقد يقوم المهندس بتقديم خدمات قانونية مختلفة مثل متابعة بعض الإجراءات القانونية المتعلقة بالحصول على التراخيص اللازمة لإتمام المشروع، كما من الممكن الاستعانة بالمهندسين الإستشاريين كخبراء في إجراءات المحاكم والقضايا التي تتطلب خبرات هندسية.

ثانيا: نطاق مسئولية المهندس الإستشاري عن عيوب التصميم

عممت غالبية التشريعات والقوانين لفظ "المهندس" فيها دون تخصيصه ب "المهندس المعماري" كما ورد بمواد القانون المدني المصري، حيث وصف أيضا عقد الإستشارة الهندسية بأنه عقد بين مهندس ذو خبرة علمية وعملية واسعتين في أعمال التشييد والبناء يعرف بالمهندس الاستشاري وبين العميل، يلتزم بمقتضاه الأول وباستقلالية بتقديم إستشارة ودراسة وفق ضوابط المهنة إلى العميل في مقابل أجر، من شأن ذلك اتخاذ العميل قراره فيما يتطلبه مواجهة واقع معين أو مشكلة قائمة، ما لم يمتد التزام المهندس إلى الإشراف على التنفيذ.

وعلى ذلك يصح التسليم بأن أساس مسئولية المهندس والمقاول في الضمان العشري هو خطأ مفترض غير قابل لإثبات العكس إلا إن سريان الضمان العشري على المهندس الإستشاري يقتضي التفصيل تأسيسا على نطاق التزاماته التعاقدية مع العميل، ويرجع  ذلك إلى مدى ارتباط المشورة والدراسة المقدمة من المهندس الاستشاري بعمل التشييد والبناء، و مدى العلاقة بين المهندس الاستشاري بمباشرة التنفيذ، أما إذا طرأ على العقد المبرم بين المهندس الإستشاري والعميل ما يؤثر على أهمية التزامه أو كان محل التزامه غير مؤثر في سلامة البناء، فإن التزامه في حدود ذلك يكون التزاما بمجرد إبتكار الوسيلة لا بتحقيق النتيجة.

وقد نصت صراحة المادة (652) من القانون المدني المصري على أنه: " إذا أقتصر المهندس المعماري على وضع التصميمات دون أن يكلف الرقابة على التنفيذ، لم يكن مسئولا إلا عن العيوب التي أتت من التصميم." بما يؤكد عدم مسئولية المهندس الإستشاري واضع التصميم عن عملية المتابعة والرقابة على التنفيذ، طالما لم يتم تكليفه بذلك من قبل صاحب العمل بالإتفاق الذي تم فيما بينهما. 

 ويعد من المرجح  جواز إيراد المهندس الاستشاري والمعماري والمقاول شرط الإعفاء من المسئولية في كل إخلال لم يترتب عليه تهدم البناء كلياً أو جزئياً أو تعيباً فيه، وسواء كان من شأن العيب الإنتقاص من قيمة البناء أو الإنتقاص من مقدار الانتفاع فيه، كما أن إشكاليات مسئولية المهندس الاستشاري وكذلك المهندس المعماري والمقاول في أعمال التشييد والبناء سببها الأساسي غياب التنظيم القانوني الصريح الخاص بها، ومع غياب التنظيم القانوني الخاص لا مناص من شيوع الإجتهاد بشأن وقائع النزاع، سواء عرض النزاع على القضاء أو على التحكيم.

The content of this article is intended to provide a general guide to the subject matter. Specialist advice should be sought about your specific circumstances.