مع استخدام تقنيات الاتصالات، شهدت الرعاية الطبية عن بعد في مصر، نموًا ملحوظًا، خاصة في الاستجابة للتحديات الصحية العالمية الأخيرة، حيث يوفر هذا النهج المبتكر لتقديم الرعاية الصحية إمكانات هائلة لتعزيز رعاية المرضى، وتوسيع نطاق الوصول إلى الخدمات الطبية، وتحسين كفاءة أنظمة الرعاية الصحية، ومع ذلك، فإن دمج التطبيب عن بعد في مشهد الرعاية الصحية في مصر يثير اعتبارات قانونية مهمة يجب التعامل معها بعناية لضمان الامتثال، وحماية حقوق المرضى، والحفاظ على جودة الخدمات الطبية.

الإطار التنظيمي الحالي

  • قانون التوقيع الإلكتروني رقم 15 لسنة 2004: يعترف هذا القانون بالتوقيعات الإلكترونية كأداة مُلزمة قانونا، على غرار نظيراتها المكتوبة بخط اليد.بالنسبة للتطبيب عن بعد، يدعم هذا القانون صحة الموافقات الرقمية والسجلات الطبية، مما يضمن أن الوثائق الإلكترونية لها وزن قانوني في الاستشارات الطبية واتفاقيات العلاج.
  • قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018: يتعامل هذا القانون مع المخاوف الأمنية الناتجة عن التواصل الرقمي، ويلعب دوراً حيوياً في مجال الرعاية الطبية عن بُعد من خلال حماية بيانات المرضى والسجلات الطبية المشتركة عبر المنصات الرقمية، وقد نظم هذا القانون عقوبات على الوصول غير المصرح به، وانتهاكات البيانات، والجرائم الإلكترونية الأخرى، وبالتالي تعزيز سرية وسلامة خدمات التطبيب عن بعد.
  • قانون حماية البيانات رقم 151/2020: يعكس هذا التشريع المخاوف العالمية بشأن خصوصية البيانات الشخصية، ويضع مبادئ توجيهية صارمة لجمع البيانات الشخصية ومعالجتها وتخزينها، وفي التطبيب عن بعد، فإنه يفرض تدابير صارمة لحماية البيانات لتأمين المعلومات الصحية الحساسة، وضمان خصوصية المريض والثقة في خدمات الرعاية الصحية الرقمية.
  • قانون نقابة الأطباء رقم 45 لسنة 1969 وتعديلاته: على الرغم من أن هذا القانون لا يتناول التطبيب عن بعد بشكل مباشر، إلا أنه يحكم أخلاقيات مهنة الطب والسلوك المهني في مصر، كما يحدد مسؤوليات وواجبات الممارسين الطبيين، والتي تمتد إلى التطبيب عن بعد، مع التركيز على الحاجة إلى رعاية طبية مختصة وأخلاقية ومهنية، بغض النظر عن الوسيلة.
  • قانون التأمين الصحي رقم 99/1995: يؤثر هذا القانون، الذي ينظم سياسات التأمين الصحي وتغطيته، بشكل غير مباشر على التطبيب عن بعد من خلال تحديد نطاق الخدمات المغطاة بموجب خطط التأمين الصحي. مع تزايد انتشار التطبيب عن بعد، قد تكون المراجعات والتوضيحات في هذا القانون ضرورية لضمان التغطية الشاملة لاستشارات التطبيب عن بعد والعلاجات.

مشروعية التطبيب عن بعد في مصر

إن التطبيب عن بعد في مصر معترف به قانونيًا، وقد تم دمجه بشكل متزايد في نظام الرعاية الصحية الوطني، لا سيما في الاستجابة لوباء كوفيد-19، الذي استلزم التباعد الاجتماعي وتقليل التفاعلات الجسدية، وهو ما ايدته وزارة الصحة والسكان المصرية من استخدام التطبيب عن بعد لتخفيف الضغط على مرافق الرعاية الصحية وتوسيع نطاق خدمات الرعاية الصحية لتشمل المناطق النائية، وبالتالي توسيع نطاق الرعاية الطبية.

ومع ذلك، فإن الإطار القانوني للرعاية الطبية عن بُعد في مصر لا يزال قيد التطوير، حيث يتم تطوير لوائح خاصة بالرعاية الطبية عن بُعد لمعالجة مسائل مثل تراخيص مقدمي الخدمات الطبية عن بُعد، وايضاً خدمات الرعاية الطبية لخارج البلاد، بالإضافة الى استخدام الذكاء الاصطناعي في التشخيص.

كما أدى التعرف القانوني على التطبيب عن بُعد إلى فتح أبواب لمنصات الصحة الرقمية ومقدمي خدمات الرعاية الطبية عن بُعد، ووضع الأسس لتوسيع منظم لخدمات الرعاية الطبية عن بُعد ضمن نظام الرعاية الصحية في البلاد.

والجدير بالذكر ان الاعتراف القانوني بالرعاية الطبية عن بُعد فتح الأبواب أمام منصات الصحة الرقمية ومقدمي الخدمات الطبية عن بُعد، مهد الطريق لضمها داخل نظام الرعاية الصحية في البلاد.

آثار الإهمال الطبي والتطبيب عن بعد

نظرًا للمسافة بين مقدمي الرعاية الصحية والمرضى فان الإهمال الطبي في قطاع التطبيب عن بعد تواجهه تحديات كثيرة، ، اذ يلزم ان تكون المعايير المتبعة في الرعاية الطبية عن بعد مثل المعتاد عليها بالطريق التقليدي، ومع ذلك، فإن معايير تحديد الإهمال قد تتطلب مراعاة الواجهة التكنولوجية والقيود المحتملة التي تفرضها على التقييمات الطبية.. والجدير بالإشارة أن هذا الأمر لم يعرض حتى الآن على المحاكم المصرية؛ وبناء على ذلك، لا توجد أي سابقة لكيفية تعامل المحاكم مع حالة الإهمال الطبي المحتمل من خلال منصات التطبيب عن بعد.

النمو المستقبلي لقطاع التطبيب عن بعد

يستعد قطاع التطبيب عن بعد في مصر لتحقيق نمو كبير، مدعوماً بالتقدم التكنولوجي، وبتوسع الإنترنت، والبيئة التنظيمية الداعمة.

تتضمن رؤية الحكومة المصرية 2030 التحول الرقمي كركيزة أساسية محورية مع تحديد الرعاية الصحية كقطاع ذو أولوية، وتتوافق هذه الرؤية مع الاتجاهات العالمية نحو حلول الصحة الرقمية وتوفر فرصًا عديدة للابتكار والاستثمار في التطبيب عن بعد.

إن التطوير المستمر للأطر القانونية والتنظيمية الخاصة بالتطبيب عن بعد سوف يلعب دورًا حاسمًا في تشكيل مستقبل هذا القطاع، ومن خلال معالجة التحديات الحالية ووضع مبادئ توجيهية واضحة، يمكن لمصر الاستفادة من التطبيب عن بعد لتعزيز إمكانية الوصول إلى الرعاية الصحية، وتحسين نتائج المرضى، وإنشاء نظام رعاية صحية أكثر مرونة.

التحديات والاعتبارات في تنفيذ التطبيب عن بعد

إن تنفيذ التطبيب عن بعد في مصر، على الرغم من كونه واعدًا، إلا أنه يواجه العديد من التحديات التي يجب معالجتها لتسخير إمكاناته بالكامل، وتتمثل إحدى المخاوف الرئيسية في الفجوة الرقمية، التي يمكن أن تحد من الوصول إلى خدمات التطبيب عن بعد في المناطق الريفية أو المحرومة بسبب الافتقار إلى البنية التحتية اللازمة أو المعرفة الرقمية، ويتطلب ضمان الوصول العادل إلى التطبيب عن بعد استثمارًا كبيرًا في التثقيف العام حول استخدام الخدمات الصحية الرقمية.

التحدي الآخر هو دمج خدمات الرعاية الطبية عن بُعد مع أنظمة الرعاية الصحية القائمة، حيث ان الدمج السلس ضروري للحفاظ على استمرارية هذه الرعاية وضمان أن تكتمل بدلاً من منافستها للخدمات الصحية التقليدية، وهذا يتطلب نظم سجلات صحية إلكترونية متوافقة وبروتوكولات واضحة للإحالة والمتابعة بين مقدمي خدمات الرعاية الطبية عن بُعد ومرافق الرعاية الصحية التقليدية.

في الختام

تمثل الرعاية الطبية عن بُعد تقدمًا كبيرًا في قطاع الرعاية الصحية في مصر، مما يتيح فرصًا لتحسين الوصول إلى الخدمات الطبية وتعزيز جودة الرعاية، وجعل نظام الرعاية الصحية أكثر كفاءة. ومع ذلك، فإن تحقيق الإمكانيات الكاملة للرعاية الطبية عن بُعد يتطلب التعامل مع التحديات القانونية والأخلاقية والتقنية، ومن خلال تشريع قوانين داعمة ووضع سياسات واضحة وضمان معايير أخلاقية حاسمة، يمكن لمصر خلق بيئة ملائمة لازدهار الرعاية الطبية عن بُعد، الامر الذي يؤدي إلى نظام صحي أكثر صحة ودقة، ومع تطور الأطر القانونية والتقدم التكنولوجي، من المتوقع أن تصبح الرعاية الطبية عن بُعد جزءًا أساسيًا من تقديم الرعاية الصحية في مصر، مما يعد بنهج أكثر شمولاً وكفاءة وتوجهًا نحو المريض في الرعاية الطبية

The content of this article is intended to provide a general guide to the subject matter. Specialist advice should be sought about your specific circumstances.